تقع في الزاوية الشمالية الغربية من ساحة الحرم الشريف، متوسطة مجموعة من المباني القديمة والجديدة، تؤلف كلها ما كان يعرف بكلية روضة المعارف الوطنية وما يعرف الآن بالمدرسة العمرية. كما تتوسط الطريق التاريخي المعروفة بطريق المجاهدين أو السراي او درب الآلام في تموضعها على قمة كتلة صخرية تلتصق بالجدار، ما أكسبها ميزة الإشراف على وسط البلدة القديمة والحرم الشريف. وتنسب هذه المدرسة إلى واقفها الأمير على الدين سنجر أبي سعيد بن عبد الله الجاولي الشافعي الذي ولي نيابة غزة إضافة إلى الساحل والقدس والخليل، ثم ولي نيابة القدس والخيل ونظر الحرمين الشريفين قبل وفاته في سنة (745هـ/1344م).
يرجع بناء المدرسة إلى ما قبل الإسلام، ما يجعله من أقدم الأبنية في القدس التي تشهد على تقلب الأحوال السياسية والثقافية فيها، فقد شهد موقعها ابتداء بناء برج، وفي الأدبيات المسيحية إشارات إلى محاكمة المسيح علية السلام وملاحقته وسجنه. ولا تتوفر حولها إشارات من الفترة الإسلامية الأولى، أو تفصيلات عن اتخاذ الفرنج اللاتين فيها كنيسة لفرسان الهيكل.أما إنشاء المدرسة فيرجح أنه يعود إلى الفترة التي ولي فيها الواقف نيابة القدس والخليل ونظر الحرمين الشريفين خلال سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكي الثالثة(741-709هـ/1340-1309م).وقامت هذه المدرسة بدورها التعليمي في القدس، حتى جعلها الأمير شاهين الشجاعي الملقب بالذباح، نائب القدس وناظر الحرمين الشريفين، داراً للنيابة في سنة (830هـ/1426م). وقد جددها هذا الأمير كما يفيد النقش الذي يعلو عتبة الباب العليا، ما أضفى عليها إضافات معمارية تناسب وظيفتها الجديدة. واستمرت في وظيفتها داراً لنواب القدس طوال الفترة المملوكية، والعثمانية أيضاً حيث عرفت بالسرايا التي نقلت منها إلى مبنى جديد عام( 1286هـ/ 1870م ).ووفق الوثائق العثمانية في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، اتخذ العثمانيون بدل السريا القديمة قشلاقاً(مركز شرطة) حتى أواخر عهدهم في فلسطين. وفي سنة 1923م، قام المجلس الإسلامي الأعلى، وتحت الاحتلال البريطاني، بتجديد بنائها وتقويته وجعلها مقراً لكلية روضة المعارف الوطنية، حتى اتخذ الإنجليز فيها مركز شرطة خلال الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936م. ولم تلبث أن أصبحت مقراً لقوات ” الجهاد المقدس” في سنة 1948م. وقد حولتها الحكومة الأردنية إلى مدرسة إبتدائية لتعليم الطلاب وأطلقت عليها المدرسة العمرية، تيمناً بالفتح العمري لمدينة القدس . ثم وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي علم 1967م الذي جعل منها ثكنة عسكرية مؤقتة للمراقبة، وقد تبين فيما بعد أن هذه الثكنة عسكرية مؤقتة للمراقبة، وقد تبين فيما بعد أن هذه الثكنة غطت على بؤرة خطر تهدد المسجد الأقصى المبارك كان يتسلل عبر نفق الدماء الذي افتتحته سلطات الاحتلال مؤخراً غير مكترثة بمكانة ودور هذا المعلم التاريخي وبما قد ينجو عنه!
وتتألف المدرسة الجاولية/ العمرية أصلاً من طابقين يطلان على ساحة مكشوفة، وعلى الحرم الشريف بواجهة جنوبية عالية الارتفاع،ويقوم في الطابق الأول من البناء مجموعة غرف وإيوان جنوبي متوسط الحجم يعتبران أصل المدرسة. أما الطابق الثاني فهو يحتوي على عدد من الغرف المتوسطة الحجم التي لا تزال تستعمل للتدريس. وقد أضيف إليها طابق ثالث، بعد قرن تقريباً يضم عدداً من الغرف التي يرجع أغلبها إلى الفترة العثمانية. أما إلى المدرسة من جهة الشمال فيتم من طريق المجاهدين/ السراي/الآلآم، بصعود درج يقوم إلى الباب الواقعبين كنيسة راهبات صعيون وكنيسة الحبس، ويفضي إلى دركاه أو موزع فالصحن المكشوف فالإيوان الجنوبي، كما هي حال أغلب المباني المملوكية.
ومما يجدر ذكره ان هذا المجمع ىالمعماري المعروف اليوم بالمدرسة العمرية يشمل إضافة إلى المدرسة الجاولية مدرستين تاريخيتين أيضاً. تعرف المدرسة الأولى بالمدرسة الصبيبية، والثانية بالمدرسة الحديثة. وكانت الأولى تقع إلى الشرق من الجاولية. ونستدل عليها من خلال الرنك (الشعار) الذي يعلو شباكين في جدارها الشرقي، وذكر مؤرخ مجير الدين الحنبلي لها، قبل أن حددها العالم فان برشيم ، وهي تنسب إلى واقفها الأمير علاء الدين على بن ناصر الدين محمد، نائب القلعىة الصبيبية الواقعة بين بانياس وتبنين، الذي أنشأها خلال ولايته نيابة القدس الشريف ، قبل وفاته بدمشق ونقل جثمانه ودفنه فيها سنة(809هـ/1409م).وقد ساهمت في الحياة الفكرية في القدي ، وورد إشارات إلى بعض مدرسيها، مثل : الشيخ الصالح العابد الناسك شرف الدين موسى بن الشيخ أحمد عبد الله الصامت القادري. وقد افادت هذه المدرسة من أوقاف أكلت مع الزمن.
أما المدرسة الثانية، المحدثية، فتقع إلى الجنوب الغربي من الجاولية، حيث كانت تعلو قبو باب الغوانمة. تنسب إلى عز الدين أبو محمد عبد العزيز العجمي الأردبيلي، الذي أنشأها ووقفها في (4 محرم 762هـ/21 تشرين الثاني 1360م)، ودرس فيها الحديث النبوي الشريف حتى توفي سنة (780هـ/1378م)ويبدو أن تسميتها جاءت من نسبته إلى الموضوع الذي اختصت في تدريسه. وقد استمر نشاطه في العهد العثماني، حيث وردت إشارات إلى تدريسها علوم الحديث والنحو والفقه. وتحديداً بعد أن رمم الدرويش محمد بن علي الخلوتي مبناها مقابل سكنه فيها سنة (940هـ/1533م). أما اليوم، فيستعمل الجزء المطل على الطريق من طابقها الأرضي حانوتاً لبيع التحف ، والجزء الشرقي مما تبقى ألحق إلى المدرسة العمرية الابتدائية، والجزء الغربي دار يسكنها جماعة من آل الشهابي.
المصدر: دليل مدينة القدس (منارات مقدسية)