تحدث تقرير اقتصادي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، عمّا أطلق عليه تعبيراً لا يُجافي الواقع ولا تعوزه الدقّة في التشخيص: “الاغتيال الاقتصادي للقدس”.
فالمدينة المقدّسة، في قسمها الشرقيّ، تعاني من عمليات حصار اقتصادي واجتماعي ومعيشي خانق، ممنهج، تسهم فيه الهجمة الاستيطانيّة المتسارعة، التي تزداد شراسة وتغوُّلاً يوماً بعد يوم، مسنودة إلى ما يوفره جدار العزل العنصري من أسباب تُفاقم من حدّة الأزمات المفضية إلى اغتيال المدينة.
ولا تقف هذه المعاناة أيضاً عند مصادرة مساحات من الأراضي المقدسيّة من أصحابها الشرعيين وضمها إلى المساحات المهيّأة لتوسيع العمليات الاستيطانيّة الشرهة، أو عند الإجراءات القمعيّة اليوميّة بأشكالها المختلفة والتي يتمّ ارتكابها أمام العالم تحت ذريعة المتطلبات الأمنيّة، ولكنها تمتد أيضاً إلى الاستيلاء على العقارات الفلسطينيّة في القدس القديمة لتوسيع الرقعة الاستيطانيّة المتفشية في تلك المساحة التي لا تتجاوز الكيلومتر المربّع الواحد، دون أن تتوقف في الوقت نفسه مصادرة هويات المقدسيين بهدف دفعهم للهجرة من مدينتهم إلى مناطق أخرى، ضمن الحرب الديموغرافيّة والاقتصاديّة ومعركة الوجود المستعرة في المدينة بين سلطة الاحتلال وأصحاب المدينة الشرعيين. ويتعدّى الأمر ذلك إلى ممارسة آليات مختلفة من القمع والتضييق والحصار الاقتصادي لمواطني القدس من الفلسطينيين المتشبثين بالبقاء في مدينتهم المقدّسة، مصرّين على خوض معركة التشبّث الوطني بالمدينة، رافعين شعار: إمّا النصر وإمّا النصر.. ولا خيار آخر سوى النصر، مهما تمادت الهجمة في قسوتها وتوحشها.
ولا شكّ في أن سلطات الاحتلال هي على إدراك تام من أن ضرب البنية الاقتصادية الفلسطينيّة لمدينة القدس، هي واحدة من أبرز آليات زعزعة أهداف تثبيت الوجود الفلسطيني في الأرض الفلسطينيّة عامّة، وعلى أرض مدينة القدس بشكل خاص.
وتطال عمليات التخريب الاقتصادي لعاصمة الدولة الفلسطينيّة المستقبليّة كافة مقومات الاقتصاد الوطني الفلسطيني في المدينة، وجميع مفرداته، من زراعيّة وتجاريّة وصناعات حرفيّة وسياحة.. الخ، مع الحرص على شلّ إمكانية تناميها ومقومات وأسباب انتعاشها. يترافق مع ذلك العمل الإسرائيلي الدؤوب لرفع مستوى البطالة لدى المواطنين العرب الفلسطينيين، أصحاب المدينة الشرعيين منذ آلاف السنين، ودفع غول الغلاء ليصول في المدينة العربيّة ويبطش بأهلها، إلى جانب الضرائب الباهظة الظالمة التي تفرضها سلطات الاحتلال، فتُثقل بها كاهل المواطن المقدسي، مما يُسهم في رفع معدلات خطّ الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، ويقود بالتالي إلى تدني مستوى دخل المواطن الفلسطيني هناك، وتراجع مستوى قدراته الشرائيّة، مما يسبب خللاً في الدورة الاقتصاديّة للمدينة.
وحتّى يفقد اقتصاد القدس مجاله الحيوي، فقد حرصت سلطات الاحتلال على فك ارتباط الاقتصاد المقدسي باقتصاد السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وتركه وحيداً، يواجه أزماته ويقارع المخططات الهادفة لدفعه إلى الركود التّام، ويلوغ شفا الانهيار. وتتفاقم الأزمة الاقتصاديّة في مدينة القدس المحتلة في ما نلحظه من غياب للدعم العربي والإسلامي والدولي الهادف إلى إنقاذ المدينة مما يُطط لها إسرائيلياً على كلّ الصُّعُد، ومنها الصعيد الاقتصادي، في وقتٍ تُصرف فيه المليارات العربيّة والإسلاميّة لتسليح قوى مشبوهة الأهداف، تعمل للهدم لا للبناء، لعودة المجتمع والتاريخ للوراء، لا للتقدم نحو المستقبل.
ولا تبتعد الأهداف الإسرائيليّة في ضرب الاقتصاد الوطني الفلسطيني في مدينة القدس عن مخططات الهيمنة على المدينة، القديمة منها بشكل خاص، التي باتت الخريطة الاستيطانيّة فيها مبقّعة بمناطق التغلغل الإسرائيلي التي تزداد اتساعاً ومساحة وخطورة. ويمكننا أن نلحظ ذلك من خلال محاصرة وخنق المتاجر والورش والمؤسسات الاقتصاديّة في البلدة القديمة، ودفع أصحابها للهجرة والبحث عن مصادر أخرى للرزق، وهي السياسة نفسها التي طالما انتهجتها إسرائيل، والقائمة على مبدأ الطرد والتهجير من جانب، وإحلال المستوطنين الغرباء مكانهم على الجانب الآخر.
وحتّى لا نظلّ ندور في العموميات، فقد حملنا أسئلة الوضع الاقتصادي في مدينة القدس المحتلّة، لنطرحه بكلّ تفاصيله وقضاياه ومشكلاته، على طاولة البحث والدراسة المستفيضة. واستكمالاً لسلسلة الندوات التي عقدتها دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير الفلسطينيّة، وتناولت على التوالي: حاضر ومستقبل المدينة المقدّسة، والمشهد الثقافي في مدينة القدس، وأخطار المستوطنات الإسرائيليّة الاستعماريّة التي تحيط بالمدينة وتتغلغل فيها. ثمّ الأوضاع التعليميّة في القدس المحتلّة ومشكلاتها، وبعدها الأوضاع الصحيّة فيها. بعد كلّ ذلك، التأمت في رحاب جامعة القدس، ندوة اقتصاديّة تخصصيّة هدفت إلى بحث المشكلات العديدة التي تواجه المدينة على هذا الصعيد الحيوي شديد الأهميّة.
وعلى مدى يوم دراسيّ كامل، جرى بحث هذه المشكلات، مع دراسة سبل تجاوزها والتغلب عليها. وقد تناولت الأوراق المقدّمة، العديد من المحاور والعناوين ذات الصِّلة، ومن أبرزها العلاقات الاقتصادية بين القدس والضفة الغربيّة؛ وتأثير الاستيطان على اقتصاد القدس الشرقيّة؛ وانعكاسات الهجمة الاستيطانيّة على مستوى معيشة المواطن المقدسي. ذلك إلى جانب دراسة الأوضاع الاقتصاديّة في القدس الشرقية في ظلّ القانون الإسرائيلي؛ ورفد ذلك بقراءة في قانون العمل والعمّال في المدينة؛ إلى جانب إلقاء نظرة على ظروف العمل والعمّال العرب المقدسيين.
وعلى مستوى المشكلات القطاعيّة المختلفة، فقد درست الأوراق المقدّمة، أوضاع القطاع الخاص في المدينة المقدسة وآفاق الاستثمار فيها وإمكانياته. كما درست أوضاع القطاع التجاري المقدسي، وقطاع الزراعة، وإلى جانبهما أوضاع ومشكلات قطاع السياحة. مع التطرُّق إلى قطاع النقل العام في شرقيّ المدينة. ونظراً لما تمثلة مشكلة السّكن والإسكان في مدينة القدس، فقد قُدِّمت في الندوة ورقة مستفيضة تناولت، باتساع وشموليّة، تحديات السكن والإسكان بواقعها الراهن والمعوقات التي تقف أمامها، مع دراسة الاحتياجات المطلوبة لمواجهة هذه المعضلة الحقيقيّة.
وتواصلاً مع ما درجت عليه دائرة شؤون القدس (م.ت.ف)، بالحرص على إصدار أوراق ودراسات الندوات التخصصيّة التي تعقدها بشكل دوريّ، والتي تتناول فيها المشكلات الجوهريّة التي تعانيها المدينة المقدّسة تحت احتلال ظالم لا يرحم، فقد حرصنا هنا أيضاً، من خلال إصدار هذا الكتاب، على نشر أوراق الندوة الهامّة حول “الأوضاع الاقتصاديّة في مدينة القدس المحتلة”، والتي التأمت في التاسع عشر من أيار/ مايو 2013، وقُدمت فيها مجموعة من الأوراق التي تناولت موضوعات هامّة أشرنا إليها آنفاً، علّها تسهم في وضع خريطة طريق تطمح إلى تجاوز الأزمة الاقتصاديّة المُدمِّرة التي تعانيها المدينة المقدّسة.
إننا نأمل ونعمل من أجل أن نبقى على تواصل دائم مع مشروع البحث في الأوضاع والمشكلات التي تعانيها القدس، في كافة جوانبها وأبعادها وتفاصيلها، علنا نسهم في تهيئة الطريق وإنارة الدرب لإخراجها، إلى الأبد، من كابوس الاحتلال البغيض، الذي ما زال يمعن، بقوّة وشراسة، على خنقها ومفاقمة أزماتها، ونقوم بدورنا في وضع حدّ لكل المحاولات الإسرائيليّة لاغتيالها.
دائرة شؤون القدس
منظمة التحرير الفلسطينيّة
جدول بقائمة الكلمات الافتتاحية والأبحاث التي تمت مناقشتها في ندوة الأوضاع الاقتصادية في القدس
العنوان | المتحدّث | |
1 | كلمة رئيس دائرة شؤون القدس | الأخ أحمد قريع (أبو علاء) |
2 | كلمة رئيس وزير الاقتصاد الوطني | الدكتور جواد ناجي |
3 | القدس أجندة القطاع الخاص | منيب المصري |
4 | تأثير الاستيطان على اقتصاد القدس الشرقية | الدكتور سمير عبد الله |
5 | الاثر الاقتصادي للاستيطان على معيشة المواطن المقدسي | د. يونس جعفر |
6 | آفاق الاستثمار في القدس وإمكانياته | مازن سنقرط |
7 | العلاقات الاقتصادية بين القدس والضفة الغربية | أ. د. محمود الجعفري أ. أحمد صفدي |
8 | قانون العمل والعمال في القدس | أ. بسام الأسعد |
9 | ظروف العمل لعمال القدس | أ. عرفات نحلة |
10 | ظروف النقل العام في شرقي المدينة المقدسة | رائد الطويل |
11 | الأوضاع الاقتصادية في القدس الشرقية | عزمي عبد الرحمن |
12 | الزراعة في مدينة القدس | خالد الهدمي |
13 | أوضاع التجار في القدس | عزام أبو السعود |
14 | تحديات السكن والإسكان | أ. د. راسم خمايسي |
15 | السياحة في القدس | د. حمدان طه |